Wednesday, January 25, 2012

ضريبة بيع العقارات

لا شك أن ضريبة بيع العقارات تساهم بشكل كبير في إيرادات خزينة أي دولة، وعلى المشرّع في أي دولة للحفاظ على موارد الخزينة أن ينتبه ليس فقط لمصادر الإيرادات هذه إنما آلية تحصيلها وإمكانيات التهرّب منها والعقوبات المناسبة في حال تم ضبط عملية تهرّب ضريبي.

هل تعلم أن ضريبة بيع العقارات في العديد من دول العالم تتراوح بين 1% و5% من قيمة العقار المباع عند تسجيل عملية البيع؟
هل تعلم أن ضريبة بيع العقارات في الجمهورية العربية السورية تتراواح بين 15% و30% من قيمة العقار المقدرة عند تسجيل عملية البيع؟ هل تعلم أن في هذا دعوة صريحة للتهرب من دفع الضريبة أو بطريقة أصح: التلاعب بقيمة العقار المقدرة للتهرب من الضريبة؟!

لنفترض أنك اشتريت منزلاً سكنياً في منطقة الشام الجديدة (مشروع دمر) في مدينة دمشق والأسعار في المنطقة هي بحدود 12 إلى 15 مليون ليرة سورية للشقة ذات الغرفتين وصالة. لنقل أنك دفعت مبلغ 13 مليون ليرة سورية للبائع عداً ونقداً، ماذا يحدث؟

المكتب العقاري الذي قام بتنفيذ عملية البيع والشراء يقوم بتحصيل ما مقداره 2.5% من قيمة العقار المباع من البائع وفي مثالنا أعلاه فإن هذا المبلغ يكون: 13,000,000 × 2.5% = 325,000 ليرة سورية، ثلاثمائة وخمسة وعشرين ألف ليرة سورية، حلال عليهم.

نظرياً قام البائع بتسجيل عقاره المراد بيعه عند مكتب وسيط عقاري مرخص له وقام هذا المكتب بالتالي بعملية تقدير القيمة السوقية للعقار ونصح البائع بأقرب سعر ممكن أن يجذب باحثين عن الشراء، عند قيام المكتب بعملية تقدير القيمة السوقية للعقار فهذا أيضاً نظرياً يشمل معاينة العقار وملاحظة المواصفات الفعلية عند المعاينة الدقيقة وتسجيل هذه الملاحظات ليتم عرضها على الشاري المحتمل، وبالتالي إظهار مميزات العقار وبالوقت ذاته إظهار أية عيوب يجب إصلاحها إما من قبل البائع أو من قبل الشاري ولكن بعد تنبيهه إليها عند عرض العقار على الأخير تفادياً لما يسمى بالتدليس. وهذا عرفاً لا يحصل أبداً وزد على ذلك، أنه وأثناء إتمام عملية البيع والشراء في المكتب العقاري يحصل شيء غريب وهو حضور عدد من الأشخاص الغير معنيين بالعملية ومن ثم عند عد الأموال ترى لكل من هؤلاء دور إما بذكر كلمة مشجعة أو بإحضار كأس شاي أو المساعدة في عد المبلغ!! وأثناء اتمام الصفقة يطلب صاحب المكتب العقاري من البائع في الغالب ومن الشاري في العديد من الأحيان أن يتم "شوفة خاطر" أبو فلان وأبو فلان لأنهم حضروا عملية البيع! وهذا يتراوح بين "سكرة" يعني 25 ألف ليرة سورية وحتى ال 100 ألف ليرة سورية من دون أي وجه حق.. ولكنه العرف. أين الدولة من هكذا ممارسات؟ لا أحد يعرف. أين تقرير الوسيط العقاري عن حالة العقار وما يتطلبه من إصلاحات أو تعديلات أو ما فيه من عيوب ومميزات؟ لا أحد يعرف. وعلى أية حال، معظم مكاتب الوساطة العقارية ينتهي عملها بمجرد توقيع العقد ثم يتم تعريف طرفي العقد على معقب للمعاملات هو من سيقوم بإنجاز المعاملة في مكاتب الدولة ويحصل الأخير على حصة إضافية غير مشمولة بعمولة المكتب..!

ما يثير الانتباه ويعلم به البائع والشاري إن كانت هذه المرة الأولى التي يقوم بها أحدهما بعملية من هذا النوع أن مكتب الوساطة العقارية يقوم بإعداد عقدين للبيع بسعرين مختلفين تماماً واحد لإثبات حقوق البائع والشاري أمام المحاكم والآخر لتسجيل العقار في الدائرة المالية المعنية تحصيل ضريبة بيع العقار. الفرق بين المبلغين في مثالنا أعلاه هو: تم بيع العقار فعلاً وأصولاً وحقيقةً بمبلغ 13 مليون ليرة سورية خصم منها مبلغ الدلالة وأضيف إليها بعض "السكاكر" لأبو فلان وأبو علان وغيرهم وتم قيد مبلغ 13 مليون ليرة سورية في عقد البيع الأول وأعطيت نسخة للبائع ونسخة للشاري فقط لاستخدامها عند الضرورة أمام المحاكم المختصة عند أي منازعة بين الطرفين. أما المبلغ المسجل في عقد البيع الثاني المراد تقديمه للدائرة المالية المختصة تحصيل ضريبة بيع العقارات فهو 27 ألف ليرة سورية فقط! لماذا؟ لأن الدائرة المالية المختصة ستقوم بتحصيل ما الضريبة التي نسبتها 15% من القيمة المثبتة على العقد أي 13,000,000 × 15% = 1,950,000 ليرة سورية يعني مليون وتسعمائة وخمسون ألف ليرة سورية بالتمام والكمال.. أما وقد كتب المبلغ 27 ألف ليرة سورية فقط فيصبح المبلغ المتوجب دفعه كضريبة بيع عقار: 27,000 × 15% = 4,050 ل.س. أربعة آلاف ليرة سورية بالتمام والكمال عداً ونقداً...

قد يسأل سائل: أي مجنون يستطيع دفع مبلغ وقدره 4,050 ليرة سورية فقط يريد أن يدفع مبلغ 1,950,000 ليرة سورية حتى يعتبر نفسه مواطناً صالحاً؟ أنا بدوري أحيل هذا السؤال إلى الجهة المختصة تحديد قيمة الضريبة: أي مجنون وضع هكذا قانون من المستحيل إنفاذه وفي حال تم إنفاذه بطريقة ما تتعطل الحركة العقارية تماماً أو يتحول المواطنون إلى ما يعرف بالعقود البينية والتي لا تسجل في الدوائر الحكومية إلا عند الحاجة لها وفي الحالات جميعها تذهب على خزينة أموالاً هي بأمس الحاجة لها.

استيراد الحلول:
في إمارة دبي مثلاً وهي الأحدث بدخول عالم العقارات لا توجد ضريبة بيع عقار وإنما يوجد رسم تسجيل العقار (!) وهذا الرسم هو 2% يحصل مناصفة من البائع والشاري، أي البائع يدفع 1% من قيمة العقار المباع والشاري يدفع 1% من قيمة العقار المشترى، وطبعاً وحسب التراضي فيما بين الاثنين قد يتحمل البائع ال 2% أو يتحملها الشاري بشكل كامل حسب الاتفاق مهما كانت القيمة المسجلة للعقار فيما يحصل مكتب الوسيط العقاري على نسبة 2% أخرى، وفي حال طبقنا هذا الرسم (الضريبة) على مثالنا أعلاه: 
13,000,000 × 1% = 130,000 ليرة سورية على البائع أن يدفعها ومثلها على الشاري أن يدفعها وضعفها يذهب للمكتب وإجمالياً يكون المبلغ المدفوع لإتمام العملية 4% من قيمة العقار أي 520,000 ليرة سورية وكافة الحقوق مضمونة للجميع، مع ملاحظة أن الغالبية العظمى من العقارات في دبي قيمتها أقل من 3 مليون درهم.

في الولايات المتحدة نسبة الضريبة هي 3.8% حالياً و3.5% أخرى كعمولة للمكتب العقاري، مع الإشارة هنا إلى أن المكاتب العقارية في الولايات المتحدة تقوم بعملها باتقان وتتابع عملية نقل الملكية حتى إتمامها، والمحصلة يكون إجمالي المبلغ المدفوع هو 7.3% من قيمة العقار أي في مثالنا: 13,000,000 × 7.3% = 949,000 ليرة سورية مع ملاحظة أن الغالية العظمى من العقارات في الولايات المتحدة لا تتجاوز قيمة الواحدة منها بضع مئات الآلاف من الدولارات.

أما في أوروبا فتتراوح النسب.

أقترح:
بما أن لكل دولة طبيعتها الخاصة وبما أنه لا يوجد قانون عالمي يلزم أي دولة باعتماد قوانين داخلية مشابهة لدولة أخرى أو نظام عالمي شامل، فلا داعي لاستيراد الحلول إنما استنباط حل يحفظ حقوق الجميع من بائع وشاري ووسيط ومعقب معاملات وخزينة الدولة، ويمكن أن يكون على الشكل التالي:

1) تخفيض نسبة ضريبة البيع العقاري من 15% و 25% و30% حسب سنة التكليف إلى نسبة موحدة 1% من قيمة العقار الفعلية أياً كانت سنة التكليف وأياً كانت قيمة العقار.
2) تحديد عمولة الوسيط العقاري ب 2% من قيمة العقار الفعلية على أن تشمل تقرير حالة العقار من مساحة وعدد الغرف وأية مميزات إضافية أوعيوب فنية، ورسوم التسويق في أية وسيلة إعلان أو إدراج أو ما شابه وتتضمن أيضاً أجرة معقب المعاملات الذي يجب أن يكون عاملاً في المكتب العقاري ذاته ويكون مسؤولاً عن إتمام تسجيل عقد البيع في كافة الدوائر المختصة.
3) لكي يلتزم الجميع بعقد بيع واحد تلتزم كافة دوائر الدولة بالعقد المسجل في الدائرة المالية، أي في حال أية منازعة مالية أو قانونية أو إجرائية بين طرفي العقد تلتزم المحكمة المختصة مثلاً بفض النزاع بناءً على العقد المسجل لدى الدائرة المالية المختصة تحصيل الضريبة، والمبلغ المسجل في هذا العقد تحديداً.
4) في حال ثبوت أي تلاعب بقيمة العقار الفعلية والقيمة المسجلة لدى الدائرة المالية المختصة تحصيل الضريبة فيجب أن تنحصر العقوبة على رسوم مالية إضافية لتحصيل الفارق في الضريبة بين القيمة الحقيقية والقيمة المسجلة مع إضافة نسبة 1.5% تدفع مثالثة من قبل البائع والشاري ومكتب الوساطة العقارية، أي كل منهم يدفع نسبة 0.5% من الضريبة زيادةً عن الفرق بين الضريبة المستوفاة ورسم الضريبة الحقيقية كعقوبة رادعة لأي طرف يفكر في التلاعب. ويجب الابتعاد عن أي عقوبة جزائية بسبب تراكم سنوات التسيب التي هي من مسؤولية الدولة سابقاً وليست مسؤولية المواطنين.

وفي مثالنا أعلاه تصبح:
1) عمولة مكتب الوساطة العقارية: 13,000,000 × 2% = 260,000 ليرة سورية تشمل كافة مصاريف اتمام العملية.
2) ضريبة بيع العقار: 13,000,000 × 1% = 130,000 ليرة سورية تسدد للدائرة المالية المختصة.
إجمالي المبلغ المدفوع: 390,000 ليرة سورية فقط لا غير..!

وهذا المبلغ يزيد عن المبلغ الذي أوردته في مثالنا أعلاه بمقدار 60,950 ليرة سورية، وطبعاً لم أحسب "سكاكر" أبو فلان وأبو علان وغيرهم الذين لا داعي لهم أبداً ولا حصة معقب المعاملات التي شملتها عمولة مكتب الوساطة العقارية.

نظرياً خسرت خزينة الدولة ما مقداره 14% على أقل تقدير من ضريبة بيع العقار المتوجبة، فعلياً كسبت خزينة الدولة ما مقداره 1% من ضريبة بيع العقار المتوجبة، وفعلياً تم تحويل المواطنين المشاركين في أية عملية بيع وشراء من متلاعبين إلى نظاميين. 

وفي مثالنا أعلاه: ربحت خزينة الدولة فعلياً مبلغ 130,000 - 4,050 = 125,950 ليرة سورية والجميع سعيد.
طبعاً لم أذكر بنوك التمويل العقاري وانعكاس هكذا ممارسات على عمليات الإقراض لديها، ولم أذكر دائرة التسجيل العقاري وإحصائياتها ومؤشراتها وتأثيرها على خطط تنمية الدولة والإدارة المحلية ووو...

ونحو سورية أفضل.